كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الراغب‏:‏ الجمال نوعان أحدهما امتداد القامة التي تكون عن الحرارة الغريزية فإن الحرارة إذا حصلت رفعت أجزاء الجسم إلى العلو كالنبات إذا نجم كلما كان أعلى كان أشرف في جنسه وللاعتبار بذلك استعمل في كل ما جاد في جنسه العالي والفائق وكثر المدح بطول القامة، الثاني أن يكون مقدوداً قويّ العصب طويل الأطراف ممتدها رحب الذراع عير مثقل بالشحم واللحم قال أعني الراغب ولا نعني بالجمال هنا ما تتعلق به شهوة الرجال والنساء فذلك أنوثة بل الهيئة التي لا تنبو الطباع عن النظر إليها وهو أدل شيء على فضيلة النفس لأن نورها إذا أشرق تأدّى إلى البدن وكل إنسان له حكمان أحدهما من قبل جسمه وهو منظره والآخر من قبل نفسه وهو مخبره فكثيراً ما يتلازمان فلذلك فرع أهل الفراسة في معرفة أحوال النفس أوّلاً إلى الهيئة البدنية حتى قال بعض الحكماء قل صورة حسنة تتبعها نفس رديئة فنقش الخاتم مفروش الطين‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ من عدة طرق ‏(‏عن بريدة‏)‏ بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة وهو ابن الحصيب بضم المهملة الأولى وفتح الثانية الأسلمي قال الهيتمي وطرق البزار كلها ضعيفة ورواه الطبراني ‏[‏ص 238‏]‏ باللفظ المزبور عن أبي هريرة فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات انتهى وبه يعلم أن المؤلف لو عزاه للطبراني كان أولى وأن زعمه في الأصل أنه صحيح فيه ما فيه وإنما رمزه هنا لحسنه إنما هو لاعتضاده‏.‏

338 - ‏(‏إذا أبق‏)‏ بفتح الموحدة أفصح من كسرها ‏(‏العبد‏)‏ يعني هرب القن من مالكه بغير إذن شرعي والآبق مملوك فر من مالكه قصداً ‏(‏لم تقبل له صلاة‏)‏ وإن لم يستحل الأباق بمعنى أنه لا يثاب عليها لكن تصح ولا تلازم بين القبول والصحة كما مر وقيل المنفي كمال القبول لا أصله والأصح كما قاله النووي الأوّل فصلاته غير مقبولة لاقترانها بمعصية وصحيحة لوجود شروطها وأركانها كما حققه النووي كابن الصلاح زاد ابن علي المازري وعياض تأويله بالمستحل وزاد في رواية حتى يرجع لمواليه‏.‏ قال العراقي‏:‏ ونبه بالصلاة على غيرها انتهى وقد عظم في هذا الخبر وما أشبهه جرم الإباق وهو جدير بذلك ذلك لأن الحق تعالى وضع من الحقوق التي على الحر كثيراً عن العبد لأجل سيده وجعل سيده أحق به منه بنفسه في أمور كثيرة فإذا استعصى العبد على سيده فإنما يستعصي على ربه إذ هو الحاكم عليه بالملك لسيده ‏{‏وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم‏}‏ أما لو أبق لعذر كفراره من لواطه به كما غلب في هذا الزمان وكما لو كلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام فلا ضير‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن جرير‏)‏ بن عبد الله وفي الباب غيره‏.‏

339 - ‏(‏إذا أتى أحدكم أهله‏)‏ أي جامع حليلته ‏(‏ثم أراد العود‏)‏ للجماع وفي رواية بدا له أن يعود ‏(‏فليتوضأ‏)‏ بينهما أي الجماعين وضوءاً تاماً كوضوء الصلاة بدليل رواية البيهقي وابن عدي إذا أتيت أهلك فإن أردت أن تعود فتوضأ وضوءك للصلاة ولا ينافيه قوله في آخر فليغسل فرجه بدل فليتوضأ لأن كمال السنة إنما يحصل بكمال الوضوء الشرعي وأصلها يحصل بالوضوء اللغوي وهو تنظيف الفرج بالغسل، والأمر للندب عند الأربعة وللوجوب عند الظاهرية‏.‏

- ‏(‏حم م 4‏)‏ في الطهارة ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ولم يخرجه البخاري ‏(‏وزاد حب ك‏)‏ قال تفرد به شعبة ‏(‏هق فإنه أنشط للعود‏)‏ أي أكثر نشاطاً له وأعون عليه مع ما فيه من تخفيف الحدة لأنه يرفعه عن أعضاء الوضوء والمبيت على إحدى الطهارتين خوفاً من أن يموت في نومه، وأخذ منه أنه يسن للمرأة أيضاً‏.‏ قال في شرح مسلم‏:‏ ويكره الجماع أي الثاني قبل الوضوء ويقال‏:‏ أن الامام الشافعي رحمه الله قال‏:‏ الحديث لم يثبت ولعله لم يقف على سند أبي سعيد‏.‏

340 - ‏(‏إذا أتى أحدكم أهله‏)‏ أي أراد جماع حليلته ‏(‏فليستتر‏)‏ أي فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما ندباً وخاطبه بالستر دونها لأنه يعلوها وإذا استتر الأعلى استتر الأسفل ‏(‏ولا يتجردان‏)‏ خبر بمعنى النهي أي ينزعان الثياب عن عورتيهما فيصيران متجردين عما يسترهما ‏(‏تجرد العيرين‏)‏ تشبيه حذفت أداته وهو بفتح العين تثنية عير وهو الحمار الأهلي وغلب على الوحشي وذلك حياء من الله تعالى وأدباً مع الملائكة وحذراً من حضور الشيطان فإن فعل أحدهما ذلك كره تنزيهاً لا تحريماً إلا إن كان ثم من ينظر إلى شيء من عورته فيحرم وجزم الشافعية بحل نظر الزوج إلى جميع عورة زوجته حتى الفرج بل حتى ما لا يحل له التمتع به كحلقة دبرها وخص ضرب المثل بالحمار زيادة في التنفير والتقريع واستهجاناً لذلك الأمر الشنيع ولأنه أبلد الحيوان وأعدمه فهماً وأقبحه فعلاً وفي حديث الطبراني والبزار تعليل الأمر بالستر بأنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب، هذا لفظه، قال الهيتمي‏:‏ وفي إسناد الطبراني مجهول وبقية رجاله ثقات وكما يندب الستر يندب تغطية رأسه وخفض صوته لما في خبر يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يفعله‏.‏

- ‏(‏ش طب هق‏)‏ وكذا في الشعب ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ ثم قال البيهقي في الشعب عقب تخريجه تفرد به مندل العنزي انتهى ومندل أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ ضعفه أحمد والدارقطني قال الهيتمي ‏[‏ص 239‏]‏ عقب عزوه للطبراني‏:‏ فيه مندل ضعيف وقد وثق، وقال البزار‏:‏ أخطأ مندل في رفعه والصواب أنه مرسل وبقية رجاله رجال الصحيح ‏(‏ه عن عتبة‏)‏ بمثناة فوقية ‏(‏ابن عبد‏)‏ بغير إضافة وهذا الاسم متعد في الصحابة فكان ينبغي تمييزه ‏(‏ن عن عبد الله بن سرجس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ لكن بلفظ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر عليه وعلى أهله ولا يتعريا تعري الحمير‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه عفير بن معدان ضعيف‏.‏ فرمز المؤلف لحسه إنما هو لاعتضاده وتقويه بكثرة طرقه وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعف أسانيده ووجهه ما تقرر‏.‏

341 - ‏(‏إذا أتى الرجل القوم‏)‏ أي جاء أو لقي العدول الصلحاء كما يدل عليه السياق فلا اعتبار بأهل الفجور والفساق ‏(‏فقالوا‏)‏ له بلسان المقال أو الحال ‏(‏مرحباً‏)‏ نصب بمضمر أي صادفت أو لقيت رحبا بضم الراء أي سعة وهي كلمة إكرام وإظهار مودة ومحبة وتلقي الأخيار بها مندوب‏.‏ قال العسكري وأول من قالها سيف بن ذي يزن ‏(‏فمرحباً به يوم القيامة‏)‏ أي فذلك ثابت له يوم القيامة أو فيقال له ذلك فهو علم لسعادته فإن الله تعالى إذا أحب عبداً ألقى محبته في قلوب العباد وهو إشارة وبشارة بنظره إليه تعالى ‏(‏وإذا أتى الرجل القوم فقالوا له قحطاً‏)‏ بفتح فسكون أو فتح نصب على المصدر أيضاً أي صادفت قحطاً أي شدة وحبس غيث ‏(‏فقحطاً له يوم القيامة‏)‏ أصله الدعاء عليه بالجدب فاستعير لانقطاع الخير وجدبه من العمل الصالح والمراد أنه إذا كان ممن يقول فبه العدول عند قدومه عليهم هذا القول فإنه يقال له مثله يوم القيامة أو هو كناية عن كونه يلقى شدة وأهوالاً وكرباً في الموقف، وفي الخبر هم شهداء الله في الأرض فهو كناية عن كونه مغضوباً عليه وذكر اللقاء في الأول وإضافته للربوبية دون الثاني إشارة إلى أن ربه يتلقاه بالإكرام ويربيه بصنوف البر والإنعام وأما الثاني فيعرض عنه وحذف له من الأول لدلالة الثاني عليه‏.‏

- ‏(‏طب ك‏)‏ في الفضائل ‏(‏عن الضحاك بن قيس‏)‏ الفهري قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيتمي‏:‏ رجال الطبراني رجال الصحيح غير ابن عمرو الضرير وهو ثقة‏.‏

342 - ‏(‏إذا أتى أحدكم‏)‏ وفي رواية إذا أتيتم ‏(‏الغائط‏)‏ محل قضاء الحاجة كنى به عن العذرة كراهة لاسمه فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية ‏(‏فلا يستقبل القبلة‏)‏ الكعبة قال القاضي‏:‏ القبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال فصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة‏.‏ وقال الحراني‏:‏ أصل القبلة ما يجعل قبالة الوجه والقبل ما أقبل من الجسد في مقابلة الدبر لما أدبر منه ولا هناء هية بقرينة قوله ‏(‏ولا يولها‏)‏ بحذف الياء ‏(‏ظهره‏)‏ أي لا يجعلها مقابل ظهره ولمسلم لا يستدبرها وزاد ببول أو غائط فأفاد تخصيص التحريم بحالة خروجه ‏(‏شرقوا أو غربوا‏)‏ قال الولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود وغربوا بغير ألف وفي بقية الكتب الستة أو غربوا بألف ولعله من الناسخ وكلاهما صحيح والمعنى توجهوا إلى جهة الشرق أو الغرب وفيه إلتفات من الغيبة إلى الخطاب وهو لأهل المدينة ومن قبلتهم على سمتهم كالشام واليمن فمن قبلته إلى المشرق أو المغرب ينحرف إلى الجنوب أو إلى الشمال وفيه دلالة على ‏[‏ص 240‏]‏ عموم النهي في الصحراء والبنيان وهو مذهب النعمان وخصه مالك والشافعي بالصحراء للحوق المشقة في البنيان بتكليف الانحراف عن سمت البناء إذا كان موضوعاً للقبلة بخلاف الصحراء ولما رواه الشيخان أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة ولما رواه ابن ماجه بإسناد حسن أنه قضاها مستقبل الكعبة فجمع الشافعي بين الأخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على غير البناء لأنه لا يشق فيه تجنب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان قد يشق فيحل فعله كما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وإن كان الأولى لنا تركه ومحل الثاني إذا استتر بمرتفع ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي ومحل الأول إذا لم يستتر بذلك وهذا كله في غير المعد لذلك أما فيه فلا حرمة ولا كراهة‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري بألفاظ مختلفة‏.‏

343 - ‏(‏إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علماً‏)‏ طائفة من العلم أو علماً سنياً عزيزاً، إذ التنكير للتعظيم والتفخيم‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ والمراد بالعلم الذي أمره الله تعالى بطلب الازدياد منه ولم يأمره بطلب الازدياد من شيء إلا منه قال والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيده معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته ومداره على التفسير والحديث والفقه إلى هنا كلامه، ولو كان لي من الأمر شيء لقلت اللائق بمنصبه الشريف إرادة العلم بالله سبحانه وتعالى الذي هو أسمى المطالب وأسمى المواهب‏.‏ ثم رأيت بعض العارفين قال‏:‏ أراد بهذه الزيادة من العلم علم التوحيد المتعلق بالله تعالى لتزيد معرفته بتوحيد الله فتزيد رتبته في تحميده وقد حصل له عليه أفضل الصلاة والسلام من العلوم والأسرار ما لا بيلغه أحد ‏(‏يقربني إلى الله تعالى‏)‏ أي إلى رحمته ومزيد رضاه ‏(‏فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم‏)‏ دعاء أو خبر والقصد تبعيد نفسه من عدم الازدياد وأنه دائم الترقي وقد أراه الله تعالى لطائف في باب العلم وآداباً لم يكن رآها وفيوضات جزيلة لم يكن يعلمها وصار تلقنه لذلك الإمداد بمنزلة الغذاء له بل هو غذاء روحاني فلو فرض انقطاعه عنه لحظة من نهار لم يعده مباركاً والعلم لا ساحل له ولا منتهى وهو درجات وبدؤه من العلي العليم وكلما ارتقى الإنسان فيه درجة ازداد قرباً من أعلم العالمين والمراد لا بورك لي في ذلك اليوم، وذكر طلوع الشمس إشارة إلى أنه كله من أوله إلى آخره كذلك وذكر النهار مثال فالليل كذلك ويحتمل أن ذلك لأن محل تعلم العلم وتعليمه النهار دون الليل وقد كان دائم الترقي في كل لمحة‏.‏ قال ابن سع‏:‏ ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كلف من العلم وحده ما كلفه الناس بأجمعهم وكان مطالباً برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الخلق قال بعض الصوفية وإنما طلب الزيادة من العلم لا من المال لأن زيادة المال تورث الإنكار على صاحبها واللائق بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الاتصاف بما يتألف به القلوب كالعلم فإنه يزيد صاحبه كشفاً وإيضاحاً واتساعاً وانشراحاً وتميل إليه النفوس ‏.‏

قد يراد باليوم معناه المعروف وقد يراد به القطعة من الزمان وقد يراد به الدولة والأنسب هنا إرادة الثاني لولا ذكره طلوع الشمس‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وفيه عنده بقية صدوق ذو مناكير والحكم بن عبيد الله عن الزهري‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ تركه الصوري وغيره انتهى وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال متهم وقال أبو حاتم كذاب ‏(‏عد‏)‏ وفيه عنده سليمان بن بشار، قال في الميزان متهم بالوضع، وقال ابن حبان وضع على الأثبات ما لا يحصى ووهاه ابن عدي وسرد له من الواهيات عدة هذا منها قال في اللسان ولفظ ابن عدي كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث فما أوهمه صنيع المؤلف من أن ابن عدي خرجه وأقرّه غير صواب ‏(‏حل عن عائشة‏)‏ وفيه عبد الرحمن بن عمروسة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة مكثر ذو غرائب ‏[‏ص 241‏]‏ تكلم فيه ابن الفرات وفيه الحكم المذكور وقد عرفت أنه كذاب ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء الكبير وذكر ابن العراقي أن المؤلف وافق ابن الجوزي على وضعه لكن رأيته تعقبه في مختصر الموضوعات فلم يأت بطائل سوى أن قال‏:‏ له شاهد عند الطبراني وهو خبر ‏"‏من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت مالم تعلم‏"‏ وأنت خبير ببعد ما بين الشاهد والمشهود‏.‏

344 - ‏(‏إذا أتى أحدكم خادمه‏)‏ بالرفع وأحدكم منصوب مفعول به ‏(‏بطعامه‏)‏ ليأكله والخادم يطلق على القن والحر‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ وهو بغير تاء التأنيث لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال ومثلها امرأة عاشق ‏(‏قد كفاه علاجه‏)‏ أي تحمل المشقة من تحصيل آلاته ومزاولة عمله ‏(‏ودخانه‏)‏ بالتخفيف مقاساة شم لهب النار حال الطبخ نص عليه مع شمول ما قبله له لعظم مشقته ‏(‏فليجلسه‏)‏ ندباً ليأكل ‏(‏معه‏)‏ كفايته مكافأة له على كفايته حره وعلاجه وسلوكاً لسبيل التواضع المأمور به في الكتاب والسنة هذا هو الأفضل ‏(‏فإن لم يجلسه‏)‏ للأكل ‏(‏معه‏)‏ لعذر كقلة طعام أو لكون نفسه تعاف ذلك قهراً عليه ويخشى من إكراهها محذوراً أو لغير ذلك كمحبته للاختصاص بالنفيس أو لكون الخادم يكره ذلك حياء منه أو تأدباً أو كونه أمرد يخشى من التهمة به بإجلاسه معه أو لغير ذلك ‏(‏فليناوله‏)‏ ندباً مؤكداً من الطعام ‏(‏أكلة‏)‏ بضم الهمزة ما يؤكل دفعة واحدة كلقمة ‏(‏أو أكلتين‏)‏ ما يؤكل كذلك بحسب حال الطعام والخادم ليرد ما في نفسه من شهوة الطعام وتنكسر سورة الجوع، ولفظ رواية البخاري لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين قال الدماميني فإن قلت ما هذا العطف قلت لعل الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا فجمع وأتى بحرف الشك ليؤدي كما سمع ويحتمل أنه من عطف أحد المترادفين على الأخر بكلمة أو وقد صرح بعضهم بجوازه والخادم يشمل الذكر والأنثى لكنه كما قال المحقق أبو زرعة فيها محمول فيما إذا كان السيد رجلاً على أن تكون أمته أو محرمه فإن كانت أجنبية فليس له ذلك قال‏:‏ وفي معنى الطباخ حامل الطعام في الإجلاس والمناولة لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به وشم ريحه وإراحة صاحب الطعام من حمله فتخصيصه من ولى الطعام ليس لإخراج غيره من الخدم بل لكونه آكد وهذا كله للندب أما الواجب فإطعامه من غالب قوت الأرقاء بذلك البلد‏.‏

- ‏(‏ق د ت ه عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه بألفاظ متقاربة‏.‏

345 - ‏(‏إذا أتاكم كريم قوم‏)‏ أي رئيسهم المطاع فيهم المعهود منهم بإكثار الإعظام وإكثار الاحترام ‏(‏فأكرموه‏)‏ برفع مجلسه واجزال عطيته ونحو ذلك مما يليق به لأن الله تعالى عوده منه ذلك ابتلاء منه له فمن استعمل معه غيره فقد استهان به وجفاه وأفسد عليه دينه فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة وذاك يجر إلى سفك الدماء وفي إكرامه إتقاء شره وإبقاء دينه فإنه قد تعزز بدنياه وتكبر وتاه وعظم في نفسه فإذا حقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا وبه عرف أنه ليس المراد بكريم القوم عالمهم أو صالحهم كما وهم البعض، ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا إلى دين‏؟‏ ومن هذا السياق انكشف أن استثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغفلة عما تقرر من أن الاكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي أو لحوق ضرر للفاعل أو للمفعول معه فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل قد يجب فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصى مجلسه وعامله معاملة الرعية فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد قيل‏:‏

دارهم ما دمت في دارهم * وحيهم ما دمت في حيهم

‏[‏ص 242‏]‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏بعثت بمداراة الناس‏"‏‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وهو ضعيف، ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظاً للدين ورفقاً بالمسلمين ورحمة لذلك الظالم المبتلى المسكين وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة وغيرهم، وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله في خلقه والجمود على ظاهره ‏{‏ومن يهن الله فما له من مكرم‏}‏ وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن بيان فموضع طلب إهانة الكافر والفاسق الأمن من حصول مفسدة، والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله ويهين لله ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع كبرياءه ورأى نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا فقيراً حقيراً أكرمناه كائناً من كان وإن كان ظالماً فنحن ظالمون لأنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الإلهية ورؤي بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم قال لا تنكره فإن تأدّبهم مع من ألبسه الخلعة لا معه، ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته فرحم الله القائل‏:‏

رب هب لي مذلة وانكسارا * وأنلني تواضعاً وافتقاراً

وفق القلب واهده لصلاح * وأذقني حلاوة واصطبار

- ‏(‏ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه محمد بن الصباح قال في الكشاف‏:‏ وثقه أبو زرعة، له حديث منكر ومحمد بن عجلان ضعفه خ ووثقه غيره ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏وابن خزيمة‏)‏ في صحيحه ‏(‏طب عد هب عن جرير‏)‏ بن عبد الله البجلي بفتح الموحدة والجيم والقشيري اليماني أسلم عام توفي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان يحبه ويكرمه وكان عالي الجمال حتى قال فيه عمر هو يوسف هذه الأمة قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني وفيه حصين بن عمر مجمع على ضعفه وسببه أن جريراً قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه ثم ذكره ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه من لم أعرفه انتهى‏.‏ وفي الميزان عن ابن عدي أنه حديث منكر ‏(‏عد‏)‏ من حديث سهل ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل ‏(‏وأبي قتادة‏)‏ الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وسهل لم يدرك معاذاً وفيه أيضاً عن عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال لا يخطئ ‏(‏ك عن جابر‏)‏ عن عبد الله ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه إبراهيم بن يقظان وكذا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث وفيهما ضعف لكن وثق ابن حبان الأول ‏(‏وعن عبد الله بن ضمرة‏)‏ بن مالك البجلي قال ابن الأثير‏:‏ عدوه في أهل البصرة قال الهيتمي‏:‏ وفيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو كذاب ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك وضعفه وذكر فيه بيان السبب وهو أنه لما دخل عدي على المصطفى صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض فقال‏:‏ أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً ثم أسلم وفي رواية أخرى فقيل له يا نبي الله لقد رأينا منظراً لم نره لأحد فقال نعم هذا كريم قوم، إذا أتاكم إلى آخره ‏(‏وعن عدي‏)‏ بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية ‏(‏ابن حاتم‏)‏ قال ابن الأثير‏:‏ عدوه في أهل فلسطين وحديثه في الشاميين‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ يقال له رؤية وفي الميزان عنه أنه منكر ‏(‏الدولابي‏)‏ محمد بن أحمد بن حماد من أهل الري ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي راشد عن عبد الرحمن ابن عبد‏)‏ بغير إضافة ويقال بن عبيد الأزدي له وفادة ‏(‏بلفظ‏)‏ إذا أتاكم ‏(‏شريف قومه‏)‏ فأكرموه من الشرف وهو المكان العالي فسمى الشريف شريفاً لارتفاع نزلته وعلو مرتبته على قومه قال الذهبي في مختصر المدخل طرقه كلها ‏[‏ص 243‏]‏ ضعيفة وله شاهد مرسل وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع‏.‏

346 - ‏(‏إذا أتاكم الزائر فأكرموه‏)‏ بالتوقير والتصدير والضيافة والاتحاف لأمره تعالى بحسن المعاشرة وهذا قاله حين أتاه جرير فأكرمه وبسط رداءه له وإطلاق الزائر هنا يشمل كل زائر وتقييده في الحديث قبله بالكريم للآكدية‏.‏

- ‏(‏ه عن أنس‏)‏ قال العراقي هذا حديث منكر قاله ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏.‏

347 - ‏(‏إذا أتاكم‏)‏ أيها الأولياء ‏(‏من‏)‏ أي رجل يخطب موليتكم ‏(‏ترضون خلقه‏)‏ بالضم وفي رواية بدله أمانته ‏(‏ودينه‏)‏ بأن يكون مساوياً للمخطوبة في الدين أو المراد أنه عدل فليس الفاسق كفأ لعفيفة ‏(‏فزوجوه‏)‏ إياها وفي رواية فأنكحوه أي ندباً مؤكداً بل إن دعت الحاجة وجب كما مر ‏(‏إن لا تفعلوا‏)‏ ما أمرتم به وفي رواية تفعلوه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الفعل كناية عن المجموع أي إن لم تزوجوا الخاطب الذي ترضون خلقه ودينه ‏(‏تكن‏)‏ تحدث ‏(‏فتنة في الأرض وفساد‏)‏ خروج عن حال الاستقامة النافعة المعينة على العفاف ‏(‏عريض‏)‏ كذا في رواية البيهقي وغيره وفي رواية كبير والمعنى متقارب وفي رواية كرره ثلاثاً يعني أنكم إن لم ترغبوا في الخلق الحسن والدين المرضي الموجبين للصلاح والاستقامة ورغبتم في مجرد المال الجالب للطغيان الجار للبغي والفساد تكن إلى آخره أو المراد إن لم تزوجوا من ترضون ذلك منه ونظرتم إلى ذي مال أو جاه يبق أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة فيكثر الزنا ويلحق العار فيقع القتل ممن نسب إليه العار فتهيج الفتن وتثور المحن‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ أشار بالحديث إلى أن دفع غائلة الشهوات مهم في الدين فإن الشهوات إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش انتهى‏.‏ والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة وقول البغوي فيه اعتبار الكفاءة في التناكح وأن الدين أولى ما اعتبر منها فيه نظر إذ ليس فيه ما يدل إلا على اعتبار الدين ولا تعرض فيه لاعتبار النسب الذي اعتبره الشارع عليه الصلاة والسلام وفيه أن المرأة إذا طلبت من الولي تزويجها من مساو لها في الدين لزمه لكن اعتبر الشافعية كونه كفأ وفيه أنه ينبغي تحري محاسن الأخلاق في الخاطب والبعد عمن اتصف بمساويها‏,‏

- ‏(‏ت ه ك‏)‏ في النكاح عن عبد الله بن الحسين عن الحارث بن أبي أسامة عن يزيد بن هارون عن عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن وثيمة البصري ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد هو أبو فليح قال أبو داود وغيره ثقة وثيمة لا يعرف ‏(‏عد‏)‏ من حديث صالح المنيحي عن الحكم بن خلف عن عمار بن مطر عن مالك عن نافع ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏ قال في الميزان‏:‏ وعمار هالك ووثقه بعضهم قال أبو حاتم كان يكذب ‏(‏ت هق عن أبي حاتم المزني‏)‏ بضم الميم وفتح الزاي صحابي له هذا الحديث الواحد وقيل لا صحبة له ويقال اسمه عقيل بن ميمونة ذكره في التقريب قال البخاري وتبعه الترمذي ولا أعلم له غير هذا الحديث فمن ثم قال المؤلف ‏(‏وماله غيره‏)‏ ولو عبر بعبارة البخاري كان أولى إذ لا يلزم من نفي العلم نفي الوجود قال ت حسن غريب قال العراقي عن البخاري إنه لم بعده محفوظاً وقال أبو داود إنه أخطأ وعده في المراسيل وأعله ابن القطان بإرساله وضعف رواته‏.‏

348 - ‏(‏إذا أتاكم السائل‏)‏ يعني إذا وجدتم من يلتمس الصدقة بقاله أو بحاله فخصوص الإتيان غير مراد ‏(‏فضعوا في يده‏)‏ أي أعطوه شيئاً يعني أوصلوه ومناولته أفضل ‏(‏ولو ظلفاً‏)‏ بكسر فسكون للبقر والغنم كالقدم للآدمي والحافر للفرس ‏[‏ص 244‏]‏ ‏(‏محرقاً‏)‏ بضم الميم وفتح الراء أي أعطوه ولو قليلاً ولا تردوه خائباً فذكره الظلف مع كونه لا يغني من جوع للمبالغة في القلة ومزيد التحذير من حرمانه الموجب للخيبة وعدم النجاح المؤدي إلى فقد الفلاح، ففي خبر يأتي لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم، والأمر للندب وإن كان مضطراً فللوجوب‏.‏

- ‏(‏عد عن جابر‏)‏ بن عبد الله بسند ضعيف لكن له شواهد‏.‏

349 - ‏(‏إذا اتسع الثوب‏)‏ غير المخيط وهو الرداء بقرينة قوله الآتي ثم صل بغير رداء ‏(‏فتعطف‏)‏ أي توشح ‏(‏به‏)‏ بأن تخالف بين طرفيه كما في رواية البخاري ‏(‏على منكبيك‏)‏ فتلقي كل طرف منهما على الطرف الآخر‏(‏ثم صل‏)‏ الفرض أو النفل لأن التعطف به كذلك أصون للعورة وأبلغ في الستر مع ما فيه من المهابة والإجلال وعدم شغل البال بإمساكه لستر عورته وفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى ‏(‏وإن ضاق عن ذلك‏)‏ بأن لم تمكن المخالفة بين طرفيه كذلك ‏(‏فشد به حقوك‏)‏ بفتح الحاء وتكسر معقد الإزار وخاصرتك ‏(‏ثم صل بغير رداء‏)‏ محافظة على الستر ما أمكن والأمر كله للندب عند الثلاثة وللوجوب عند أحمد فلو صلى في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء لم تصح صلاته عنده، حكاه عنه الطيبي وغيره وقال الشافعية‏:‏ إذا اتسع الثوب الواحد للرجل التحف به وخالف بين طرفيه على كتفيه والا ائتزر به وجعل على عاتقه شيئاً ولو حبلاً فيكره تركه أما المرأة فتصلي بقميص سابغ وخمار وجلباب كثيف فوق الثياب‏.‏

- ‏(‏حم والطحاوي‏)‏ أحمد بن محمد نسبة إلى طحا قرية بمصر ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله رمز المؤلف لصحته‏.‏

350 - ‏(‏إذا أثنى‏)‏ بتقديم المثلثة على النون ‏(‏عليك جيرانك‏)‏ الصالحون للتزكية ولو اثنان فلا أثر لقول كافر وفاسق ومبتدع ‏(‏أنك‏)‏ أي بأنك ‏(‏محسن‏)‏ أي من المحسنين يعني المطيعين لله تعالى ‏(‏فأنت محسن‏)‏ عند الله تعالى ‏(‏وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء‏)‏ أي عملك غير صالح ‏(‏فأنت‏)‏ عند الله ‏(‏مسيء‏)‏ ومحصوله إذا ذكرك صلحاء جيرانك بخير فأنت من أهله وإذا ذكروك بسوء فأنت من أهله فإنهم شهداء الله في الأرض فأحدث في الأول شكراً وفي الثاني توبة واستغفاراً فحسن الثناء وضده علامة على ما عند الله تعالى للعبد وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل والثناء بالخير دليل على محبة الله تعالى لعبده حيث حببه لخلقه فأطلق الألسنة بالثناء عليه وعكسه عكسه وفي الحديث دليل لابن عبد السلام حيث ذهب إلى أن الثناء يستعمل في الخير والشر لكن هل هو حقيقة فيهما أو في الخير فقط‏؟‏ خلاف، وما تقرر من أن لفظ الحديث وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء إلى آخره باطل‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رجل يا رسول الله متى أكون محسناً ومتى أكون مسيئاً فذكره وهذا بمعناه في مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ دلني على عمل إذا أنا عملت به دخلت الجنة قال‏:‏ كن محسناً قال‏:‏ كيف أعلم أني محسن قال‏:‏ سل جيرانك فإن قالوا‏:‏ إنك محسن فأنت محسن وإن قالوا‏:‏ إنك مسيء فأنت مسيء انتهى قال الحاكم على شرطهما‏.‏

351 - ‏(‏إذا اجتمع الداعيان‏)‏ فأكثر إلى وليمة ولو لغير عرس أو إلى غيرها كشفاعة أو قضاء حاجة ‏(‏فأجب‏)‏ حيث ‏[‏ص 245‏]‏ لا عذر ‏(‏أقربهما‏)‏ منك ‏(‏باباً‏)‏ من متعلقة بالقرب في أقرب لا صلة التفضيل لأن أفعل التفضيل قد أضيف قلا يجمع بين الإضافة ومن المتعلقة بأفعل التفضيل ثم علله بقوله ‏(‏فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً‏)‏ وحق الجار مرجح، هذا إن لم يسبق أحدهما بأن تقارنا في الدعوة ‏(‏و‏)‏ أما إن ‏(‏سبق أحدهما‏)‏ إلى دعوتك ‏(‏فأجب الذي سبق‏)‏ لأن إجابته وجبت أو ندبت حين دعاه قبل الآخر فإن استويا سبقاً وقربا فأقربهما رحما فإن استويا فأكثرهما علماً وديناً فإن استويا أقرع، وفيه أن العبرة في الجوار بقرب الباب لا بقرب الجدار وسره أنه أسرع إجابة له عندما ينوبه في أوقات الغفلات فهو بالرعاية أقدم ولا دلالة فيه على أن الشفعة للجار بل لأنه أحق بالإهداء‏.‏

- ‏(‏حم د عن رجل له صحبة‏)‏ وإبهامه غير علة لأن الصحب كلهم عدول‏.‏ قال ابن حجر وغيره‏:‏ إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلاً وقد أشار المؤلف لحسنه غافلاً عن جزم الحافظ ابن حجر بضعفه وعبارته إسناده ضعيف وعن قول جمع فيه يزيد بن عبد الرحمن المعروف بأبي خالد الدالاني قال ابن حبان فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به لكن له شواهد في البخاري إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك باباً‏.‏

352 - ‏(‏إذا اجتمع العالم‏)‏ بالعلم الشرعي العامل به ‏(‏والعابد‏)‏ القائم بوظائف الطاعات وصنوف العبادات لكنه لا يعلم إلا ما لزمه تعلمه عيناً ‏(‏على الصراط‏)‏ أي على الجسر المضروب على متن جهنم الذي يمر عليه الكافر للنار والمسلم للجنة ‏(‏قيل‏)‏ أي يقول بعض الملائكة أو من شاء الله من خلقه بأمره ‏(‏للعابد أدخل الجنة‏)‏ برحمة الله وترفع لك الدرجات فيها بعملك ‏(‏وتنعم‏)‏ ترفه من الرفاهية وهي رغد الخصب ولين العيش ‏(‏بعبادتك‏)‏ أي بثواب عملك الصالح فإنه قد نفعك لكنه قاصر عليك ‏(‏وقيل للعالم قف هنا‏)‏ أي على الصراط ‏(‏فاشفع لمن أحببت‏)‏ الشفاعة له من عصاة الموحدين الذين استحقوا دخول النار ‏(‏فإنك لا تشفع لأحد‏)‏ ممن ذكر ‏(‏إلا شفعت‏)‏ أي قبلت شفاعتك فيه لأنه لما أحسن إلى عباد الله بعلمه الذي أفنى فيه نفائس أوقاته أكرمه الله تعالى بإنالته مقام الإحسان إليهم في الآخرة بشفاعته قيهم جزاء وفاقاً ‏(‏فقام‏)‏ حينئذ ‏(‏مقام الأنبياء‏)‏ في كونه في الدنيا هادياً للرشاد منقذاً من الضلالة وكونه في الآخرة شافعاً مشفعاً ومن ثم قالوا العلماء خلفاء الأنبياء فأعظم بها من منزلة عالية فاخرة في الدنيا والآخرة‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ عبد الله بن حبان ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الثواب‏)‏ على الأعمال ‏(‏فر‏)‏ وكذا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له كان أولى ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ رضي الله تعالى عنهما رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه عثمان بن موسى عن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال له حديث لا يعرف إلا به وفي الميزان له حديث منكر‏.‏

353 - ‏(‏إذا أحب الله عبداً‏)‏ أي أراد به الخير ووفقه ‏(‏ابتلاه‏)‏ اختبره وامتحنه بنحو مرض أو هم أو ضيق ‏(‏ليسمع تضرعه‏)‏ أي تذلـله واستكانته وخضوعه ومبالغته في السؤال ليعطى صفة الجود والكرم جميعاً فإنهما يطلبانه عند سؤال عبده بالإجابة فإذا دعا قالت الملائكة صوت معروف وقال جبريل يا رب اقض حاجته فيقول دعوا عبدي فإني أحب أن أسمع صوته كذا جاء في خبر‏.‏ قال الغزالي‏:‏ ولهذا تراه يكثر ابتلاء أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده وإذا رأيت الله عز وجل يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى فاعلم أنك عزيز عنده وأنك عنده بمكان يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه فإنه يراك ولا يحتاج إلى ذلك، أما تسمع إلى قوله تعالى ‏{‏واصبر لحكم ربك فإنك ‏[‏ص 246‏]‏ بأعيينا‏}‏ بل اعرف منته عليك فيما يحفظ عليك من صلاتك وصلاحك ويكثر من أجورك وثوابك وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة عنده ‏.‏